سورة القمر - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}
{اقتربت الساعة} دنت القيامة {وانشق القمر} قال ابن كيسان: في الآية تقديم وتأخير، مجازها: انشقّ القمر واقتربت الساعة، يدل عليه قراءة حذيفة {اقتربت الساعة وقد انشق القمر}، وروى عثمان بن عطاء عن أبيه أن معناه: {وسينشقّ القمر}، والعلماء على خلافه والأخبار الصحاح ناطقة بأن هذه الآية قد مضت.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي، قال: حدّثنا أبو الازهر قال: حدّثنا روح عن شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت إبراهيم يحدث عن أبي معمر عن عبد الله أن القمر انشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فكانت إحداهما فوق الجبل والأُخرى أسفل من الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد»، وقال أيضاً: «اشهدوا».
وأخبرنا عبد الله بن حامد، قال: أخبرنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك القاضي قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حصين عن الأعمش وعبدة الضبي عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت فِلقَتَيه. وأخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا مكي، قال: حدّثنا أبو الأزهر قال: حدّثنا روح عن شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر نحو حديث ابن مسعود.
وأخبرنا عبد الله قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن زيد الصيرفي قال: حدّثنا علي بن حرب، قال: حدّثنا ابن فضيل، قال: حدّثنا حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: انشقّ القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة.
وأخبرنا عبد الله قال: أخبر عمر بن الحسن الشيباني قال: حدّثنا أحمد بن الحسن قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا حصين عن سعد عن عكرمة عن ابن عباس والحكم عن مجاهد عن ابن عباس ومقسم عن ابن عباس قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنين: شطره على السويداء، وشطره على الجندمة.
وأخبرني عقيل بن محمد أن أبا الفرج القاضي حدّثهم عن محمد بن جرير قال: حدّثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدّثنا بشر بن المفضل. قال: حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا الجبل بينهما.
وبه عن محمد بن جرير قال: حدّثنا علي بن سهل قال: حدّثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين.
وبه عن محمد بن جرير قال: حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا عطاء بن السايب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنّا منها على فرسخ، فجاءت الجمعة فحضر أبي فحضرنا معه فخطبنا حذيفة، فقال: ألا إنّ الله سبحانه يقول: {اقتربت الساعة وانشق القمر}، ألا فإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق،. ألا وإنّ اليوم المضمار وغداً السباق، فقلت لأبي أيستبق الناس غداً؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنّما هو السباق بالأعمال، ثم جاءت الجمعة الأُخرى فحضرنا فخطب حذيفة فقال: ألا إنّ الله يقول: {اقتربت الساعة وانشق القمر} ألا وإنّ الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإنّ الدنيا قد أذنت بفراق، ألا وإنّ المضمار اليوم وغداً السباق، ألا وإنّ الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة.
وبه عن ابن جرير قال: حدّثنا الحسن بن أبي يحيى المقدسي قال: حدّثنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبدالله قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فسألوا السفار فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأينا. فأنزل الله سبحانه {اقتربت الساعة وانشق القمر}.
{وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم: مرّ الشيء واستمر إذا ذهب، ونظيره: قرّ واستقر، هذا قول مجاهد وقتادة والفرّاء والكسائي.
وقال أبو العالية والضحاك: محكم شديد قوي. سيان عن قتادة: غالب، وهو من قولهم: مرّ الحبل إذا صلب واشتد وقوي، وامررته أنا إذا أحكمتُ فتله. ربيع: نافذ. يمان: ماض. أبو عبيدة: باطل، وقيل: يشبه بعضه بعضاً.
{وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} يقول: وكل أمر من خير أو شر مستقر قراره، ومتناه نهايته، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار.
قال قتادة: وكل أمر مستقر: أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر، وقال مقاتل: لكل امرئ منتهى، وقيل: لكل أمر حقيقته، وقال الحسن بن الفضل: يعني يستقر قرار تكذيبهم وقرار تصديق المؤمنين حتى يعرفوا حقيقته في الثواب والعقاب، وقيل: مجازه: كلّ ما قدّر كائن واقع لا محالة، وقيل: لكل أمر من أُموري التي أمضيتها في خلقي مستقر قراره لا يزول، وحكى أبو حاتم عن شيبة ونافع مستقرّ بفتح القاف، وذكر الفضل بن شاذان عن أبي جعفر بكسر الراء، ولا وجه لهما.
قال مقاتل: انشقّ القمر ثم التأم بعد ذلك.
{وَلَقَدْ جَآءَهُم} يعني أهل مكة {مِّنَ الأنبآء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} متناهى. قاله مجاهد. سفيان: منتهى، وهو مفتعل من الزجر، وأصله مزتجر. فقلبت التاء دالا.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} تامة ليس فيها نقصان وهي القرآن {فَمَا تُغْنِ النذر} إذا كذّبوهم وخالفوهم.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} نسختها آية القتال {يَوْمَ} إلى يوم {يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} منكر فظيع عظيم وهو النار، وقيل: القيامة، وخفّف الحسن وابن كثير كافه. غيرهما مثقّل، وقرأ مجاهد {نُكِر} على الفعل المجهول أي أُنكر.
{خُشَّعاً} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ} وهو نصب على الحال مجازه {خُشَّعاً}، وقرأ ابن عباس ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف {خاشعاً} بالألف على الواحد، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتباراً بقراءة عبد الله وأبي رجاء خاشعة أبصارهم، وقرأ الباقون {خشّعاً} بلا ألف على الجمع.
قال الفرّاء وأبو عبيدة: إذا تأخرت الأسماء عن فعلها فلك فيه التوحيد والجمع والتأنيث والتذكير تقول من ذلك: مررت برجال حسن وجوههم، وحسنة وجوههم وحسان وجوههم. قال الشاعر:
وشباب حسن أوجههم *** من إياد بن نزار بن معد
فمن وحّد فلأنّه في معنى الجمع، ومن جمع فلأنّه صفات، والصفات اسماء، ومن أنّث فلتأنيث الجماعة، وقال الآخر:
يرمي الفجاج بها الركبان معترضاً *** أعناق بزلها مزجىً لها الجدل
قال الفرّاء: لو قال: معترضة أو معترضات أو مزجاة أو مزجيات كان كل ذلك جائزاً.
{يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} حيارى، وذكر المنتشر على لفظ الجراد، نظيره {كالفراش المبثوث} [القارعة: 4].
{مُّهْطِعِينَ} مسرعين منقلبين عامدين {إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ}.


{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)}
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} أي قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحاً {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} أي هو مجنون {وازدجر} أي زجروه عن دعوته ومقالته، وقال مجاهد: استطر جنوناً، وقال ابن زيد: اتهموه وزجروه وواعدوه {لئنْ لم تنتهِ لتكوننّ من المرجومين}.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} مقهور {فانتصر} فانتقم لي منهم.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف، قال: حدّثنا الوفراوندي، قال: حدّثنا يوسف ابن موسى، قال: حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد بن عمير، قال: إن الرجل من قوم نوح ليلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً، فيفيق حين يفيق وهو يقول: رب اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون.
{فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} منصبّ مندفق ولم يقلع ولم ينقطع أربعين يوماً.
قال ابن عباس والقرظي: منفجر من الأرض. يمان: طبق ما بين السماء والأرض. أبو عبيدة: هايل. الكسائي: سايل. قال امرؤ القيس يصف غيثاً:
راح تمريه الصبا ثم انتحى *** فيه شؤبوب جنوب منهمر
وقال سلامة بن جندل يصف فرساً:
والماء منهمر والشدّ منحدر *** والقصب مضطمر واللون غربيب
{وَفَجَّرْنَا} شققنا {الأرض} بالماء {عُيُوناً فَالْتَقَى المآء} يعني ماء السماء وماء الأرض، وانما قال: التقى الماء، والالتقاء لا يكون من واحد وانما يكون من اثنين فصاعداً، لأن الماء جمعاً وواحداً.
وقرأ عاصم الجحدري {فالتقى الماءان}، وقرأ الحسن {فالتقى الماوان} بجعل إحدى الألفين واواً. {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} قُضي عليهم في أُم الكتاب.
قال محمد بن كعب القرظي: كانت الأقوات قبل الاجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا هذه الآية.
{وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ} ذكر النعت وترك الاسم، مجازه: على سفينة ذات ألواح من الخشب {وَدُسُرٍ} مسامير، واحدها دسار، يقال منه: دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير، وهذا قول القرظي وقتادة، وابن زيد ورواية الوالبي عن ابن عباس وشهر بن حوشب: هي صدر السفينة سمّيت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجئها، اي تدفع، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، قال: الدسر: كلكل السفينة، وأصل الدسر الجر والدفع، ومنه الحديث في العنبر «إنما هو شيء دسّره البحر»، أي دفعه ورمى به، وقال مجاهد: هي عوارض السفينة. الضحّاك: ألواح جانبها، والدسر أصلها وطرفها. ليث بن أبي نجيح عن مجاهد: أضلاعها.
{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منّا. مقاتل بن حيان: بحفظنا، ومنه قول الناس للدموع: عين الله عليك. مقاتل بن سليمان: بوحينا. سفيان: بأمرنا. {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} يعني فعلنا ذلك ثواباً لنوح، ومجاز الآية: لمن جحد وأنكر وكفر بالله فيه، وجعل بعضهم {مَن} هاهنا بمعنى ما، وقال معناه: جزاء لمن كان كفر من أيادي الله ونعمائه عند الذين غرقهم، وإليه ذهب ابن زيد، وقيل: معناه عاقبناهم لله ولأجل كفرهم به.
وقرأ مجاهد {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} بفتح الكاف والفاء يعني كان الغرق جزاء لمن يكفر بالله، وكذب رسوله فأهلكهم الله.
وما نجا من الكفّار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته، وكان السبب في نجاته على ما ذكر أن نوحاً عليه السلام احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها، فحمل عوج تلك الخشبة إليه من الشام. فشكر الله تعالى ذلك له ونجّاه من الغرق.
{وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا} يعني السفينة {آيَةً} عبرة.
قال قتادة: أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأُمة نظراً، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمداً. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متّعظ معتبر وخائف مثل عقوبتهم.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي إنذاري. قال الفرّاء: الإنذار والنذر مصدران تقول العرب: أنذرت إنذاراً ونذراً، كقولك: انفقت إنفاقاً ونفقة، وأيقنت إيقاناً ويقيناً.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} سهّلنا وهونّا {القرآن لِلذِّكْرِ} اي ليتذكر ويُعتبر به ويتفكر فيه، وقال سعيد ابن جبير: يسّرنا للحفظ ظاهراً، وليس من كتب الله كتاباً يقرأ كله ظاهراً إلاّ القرآن. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متّعظ بمواعظه.
أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن راهويه قال: حدّثنا أبو عمير بن النحاس ببيت المقدس، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن عبدالله بن شوذب عن مطر الوراق في قول الله سبحانه {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} قال: هل من طالب علم فيعان عليه.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} شؤم وشرّ {مُّسْتَمِرًّ} وكان يوم الأربعاء، مستمر: شديد ماض على الصغير والكبير فلم تُبقِ منهم أحداً إلاّ أهلكته، وقرأ هارون الاعور {نَحْسٍ} بكسر الحاء.
{تَنزِعُ الناس} تقلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ رقابهم، قال ابن إسحاق: لمّا هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة يسمى لنا منهم ستّة من أشدّ عاد وأجسمها منهم: عمرو بن الحلي، والحرث بن شداد والهلقام وابناتيقن، وخلجان بن سعد فأولجوا العيال في شعب بين جبلين، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردّوا الريح عمن في الشعب من العيال، فجعلت الريح تخفقهم رجلا رجلا، فقالت امرأة من عاد:
ذهب الدهر بعمر بن حلي والهنيات *** ثم بالحرث والهلقام طلاع الثنيات
والذي سدّ مهب الريح أيام البليات ***
وبإسناد أبي حمزة الثمالي قال: حدّثني محمد بن سفيان عن محمد بن قرظة بن كعب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انتزعت الريح الناس من قبورهم».
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ} قال ابن عباس: أُصول، وقال الضحّاك: أوراك. {نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} منقلع من مكانه، ساقط على الأرض، وواحد الأعجاز عجز مثل عضد وأعضاد، وإنّما قال: أعجاز نخل وهي أُصولها التي تقطعت فروعها، لأن الريح كانت ترمي رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسام بلا رؤوس.
سمعت أبا القاسم الجنيني يقول: سمعت أبا علي الحسين بن أحمد القاضي البيهقي. يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن القاسم بن سياب الأنباري يقول: سئل المبرّد بحضرة إسماعيل بن إسحاق القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها، وهو أن السائل قال: ما الفرق بين قوله: {جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22] و{وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] و{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] وقوله: و{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}؟ فقال: كل ما ورد عليك من هذا الباب فلك أن تردّه إلى اللفظ تذكيراً، ولك أن ترده إلى المعنى تأنيثاً.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}.


{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)}
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} {فقالوا أَبَشَراً} آدميّاً واحداً منّا {إِنَّآ إِذاً} ونحن جماعة كثيرة وهو واحد، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع، وكلا الوجهين سايغ في عايد الذكر {نَّتَّبِعُهُ} إنْ فعلنا ذلك وتركنا دين آبائنا وتابعناه على دينه، وهو واحد منا آدمي مثلنا {لَّفِي ضَلاَلٍ} ذهاب عن الصواب {وَسُعُرٍ} قال ابن عباس: يعني وعذاب، قال الحسن: شدة العذاب. قتادة: عناء. سفيان بن عيينة: هو جمع سعيرة. الفرّاء: جنون، يقال: ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هايمة على وجهها. قال الشاعر يصف ناقة:
تخال بها سعراً إذا السفر هزها *** ذميل وإيقاع من السير متعب
وقال وهب: وسعر: أي بعدٌ من الحق.
{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ} أأُنزل الوحي {الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} ترح مرح بطر متكبر يريد أن يتعظّم علينا بادّعائه النبوّة.
وقال عبدالرَّحْمن بن أبي حماد: الأشِر الذي لا يبالي ما قال، وقرأ مجاهد {أَشِرٌ} بفتح الألف وضم الشين وهما لغتان مثل حَذِر وحَذُر ويَقِظ ويَقُظ وعَجِل وعَجُل ومَجِد ومَجُد الشجاع.
{سَيَعْلَمُونَ} غداً بالتاء شامي، والأعمش ويحيى وابن ثوبان وحمزة وغيره بالياء، فمن قرأ بالتاء فهو من قول صالح لهم، ومن قرأ بالياء فهو من قول الله سبحانه، ومعنى الكلام: في الغد القريب على عادة الناس في قولهم للعواقب: إنّ مع اليوم غداً، وإنّ مع اليوم أخاه غداً، وأراد به وقت نزول العذاب بهم {مَّنِ الكذاب الأشر} قرأ أبو قلامة: مَن الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء على وزن أفعل من الشر، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة.
قال أبو حاتم: لا يكاد العربي يتكلم بالأشَرّ والأخير إلا في ضرورة الشعر كقول رؤبة:
بلال خير الناس وابن الأخير ***
إنّما يقولون: خير وشر. قال الله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وقال سبحانه {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} [يوسف: 77].
{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا {فِتْنَةً} محنة {لَّهُمْ فارتقبهم} وانتظرهم وننظر ما هم صانعون {واصطبر} واصبر على ظلمهم وأذاهم، ولا تعجل حتى يأتيهم أمري، واصطبر: افتعل من الصبر، وأصل الطاء فيه تاء فحوّلت طاء لأجل الصاد.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وبين الناقة بالسويّة لها يوم ولهم يوم، وإنّما قال: بينهم؛ لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلّبوا بني آدم على البهائم. {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُّحْتَضَرٌ} يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وقال مجاهد: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، وإذا جاءت حضروا اللبن.
{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} قدار بن سالف وكان أشقر؛ ولذلك قيل له: أشقر ثمود {فَعَقَرَ} فتناول الناقة بسيفه فعقرها، ولذلك سمّيت العرب الجزار قداراً تشبيها به، وقال الشاعر:
إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسهم *** ضرب القدار نقيعة القدام
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ثم بيّن عذابهم فقال عز من قائل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} قرأ الحسن وقتادة بفتح الظاء أراد الحظيرة، وقرأ الباقون بكسر الظاء أرادوا صاحب الحظيرة.
قال ابن عباس: هو أن الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم، وقال قتادة: يعني كالعظام النخرة المحترقة وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواية أبي ظبيان عنه أيضاً، كحشيش يأكله الغنم، وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحائط. ابن زيد: هو الشجر البالي الذي تهشّم حتى ذرّته الريح، والعرب تسمّي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً.
{وَلَقَد يَسَّرْنَا} هوّنا عليهم {القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً} ريحاً ترميهم بالحصباء، وهي الحصى، وقال بعضهم: هو الحجر نفسه.
قال الضحّاك: يعني صغار الحصى، والحاصب والحصب والحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف، والمحصب الموضع الذي يرمى فيه الجمار، وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأهل المدينة: حصّبوا المسجد، أي صبّوا فيه الحجارة.
ثم استنثى فقال: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} أي أتباعه على دينه من أهله وأُمته {نَّجَّيْنَاهُم} من العذاب {بِسَحَرٍ} قال الأخفش: إنّما أجراه، لأنه نكرة، ومجازه: بسحر من الأسحار، ولو أراد بسحر يوم بعينه لقال: سحر غير مجرى، ونظيره قوله: {اهبطوا مِصْراً} [البقرة: 61].
{نِّعْمَةً} يعني كان ذلك أو جعلناه نعمة {مِّنْ عِندِنَا} عليهم حيث أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم {كَذَلِكَ} كما جزيناهم، لوطاً وآله {نَجْزِي مَن شَكَرَ} فآمن بالله وأطاعه.
{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا لهم بالعقوبة قبل حلولها بهم {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بإنذاره شكاً منهم فيه وهو تفاعل من المرية.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طالبوه وسألوه أن يخلّي بينهم وبينهم. يقول العرب: راده تروده وارتاده وراوده يراوده نظيرها {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} [يوسف: 23].
{فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} أي أعميناهم، وصيّرناها كساير الوجه لا يُرى لها شق، وذلك أنّهم لما قصدوا دار لوط عليه السلام وعالجوا بابه ليدخلوا، قالت الرسل للوط: خلِّ بينهم وبين الدخول فإنّا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فاستأذن جبريل ربّه عزّ وجل في عقوبتهم فأذن له فصفقهم بجناحه، فتركهم عمياً يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، وأخرجهم لوط عمياً لا يبصرون. هذا قول عامة المفسّرين، وقال الضحّاك: طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟، فلم يروهم ورجعوا {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ}.
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} جاءهم العذاب وقت الصبح {بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دائم عام استقر فيهم حتى يُقضى بهم إلى عذاب الآخرة.
{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني موسى وهارون عليهما السلام.
{كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا} التسع {كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ} بالعذاب {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه ما أراد، ثم خوّف أهل مكة فقال عز من قائل: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون {أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ} من العذاب {فِي الزبر} الكتب تأمنون.
{أَمْ يَقُولُونَ} يعني كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي جماعة لا ترام ولا تضام، ولا يقصدنا أحد بسوء، ولا يريد حربنا وتفريق جمعنا إلا انتقمنا منهم، وكان حقّه: منتصرون فتبع رؤوس الآي.
{سَيُهْزَمُ الجمع} قراءة العامة على غير تسمية الفاعل، وقرأ يعقوب بالنون والنصب وكسر الزاي، وفتح العين على التعظيم {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار، فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي، كما يقال: ضربنا منهم الرؤوس، وضربنا منهم الرأس، إذا كان الواحد يؤدي عن معنى جميعه، فصدق الله سبحانه وتعالى وعده وهزمهم يوم بدر.
قال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه فتقدم يوم بدر في الصف وقال: نحن منتصر اليوم من محمد وأصحابه.
قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب لمّا نزلت {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}: كنت لا أدري أي جمع نهزم، فلمّا كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في درعه ويقول: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}.
{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} جميعاً {والساعة أدهى وَأَمَرُّ} أعظم بليّة وأشدّ مرارة من عذاب يوم بدر.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، قالد حدّثنا أبو مصعب قال: حدّثنا مجرد بن هارون عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال سبعاً ما ينتظرون هل هو إلاّ فقر منسي أو غنى مطع أو مرض مفسد أو كبر معند أو موت مجهز، والدجال شر مستطر، والساعة والساعة أدهى وأمرّ».
{إِنَّ المجرمين} المشركين {فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} قال الضحاك: يعني ناراً ستعرض عليهم. قال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة، وقال ابن كيسان: بُعْدٌ من الحق، وقيل: جنون، وقال قتادة في عناء وعذاب، ثم بيّن عذابهم، فقال: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} يُجرّون {فِي النار على وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} وإنّما هو كقولك: ذق المر السياط.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} بالنصب قراءة العامة، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع {خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له، وقال الربيع: هو كقوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 3] أي أجلا لا يتقدم ولا يتأخر، وقال ابن عباس: إنّا كل شيء جعلنا له شكلا يوافقه ويصلح له، فالمرأة للرجل، والأتان للحمار، والرمكة للفرس، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء، وثياب النساء لا تصلح للرجال وكذلك ما شاكلها على هذا.
وروى علي بن أبي طلحة عنه قال: خلق الله سبحانه الخلق كلّهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة.

1 | 2